إذاعة الشيخ محمد سعيد رسلان

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

النصر على الأعداء نعمة تقابل بالشكر و الطاعة لا بالمجون و المعصية.


النصر على الأعداء نعمة تقابل بالشكر و الطاعة لا بالمجون و المعصية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم القائل في كتابه الكريم :
{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ}[الأنعام: 34].

وقال تعالى : {وكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود: 120].
و قال جل و علا : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[يوسف: 111].

ومن القصص العظيمة التي قصها الله علينا في كتابه الكريم قصة موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون لِما فيها من مواعظ بليغة و من انتصار الحق على الباطل و التوحيد على الشرك و أهل الإسلام على أهل الكفر و الطغيان.

فقال الله عز وجل : {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48)} [الشعراء].

و قال تعالى : {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)}[الشعراء].

ثم لما انتصر موسى عليه السلام على فرعون و نجاه الله و قومه، و أهلك فرعون و أتباعه في اليوم العاشر من شهر الله الحرام محرم قابل هذه النعمة بشكر الله عز وجل فصام و معه بنو إسرائيل هذا اليوم و صامه النبي صلى الله عليه و سلم و قد وجد اليهود يصومونه فقال : أنا أحق بموسى منكم.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد يهود يصومون يوم عاشوراء فقال لهم:
(ما هذا؟ )
قالوا: يوم عظيم نجى الله فيه موسى وأغرق آل فرعون فصامه موسى شكرا لله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أنا أولى بموسى وأحق بصيامه منكم) فصامه وأمر بصيامه.
( رواه ابن حبان . قال الألباني في التعليقات الحسان ج5 ص409 : حديث صحيح ).

قال الشيخ بن باز رحمه الله (المجموع ج15ص401) : ... صيام يوم عاشوراء سنة يستحب صيامه؛ صامه النبي صلى الله عليه وسلم وصامه الصحابة وصامه موسى قبل ذلك شكرا لله عز وجل؛ ولأنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فصامه موسى وبنو إسرائيل شكرا لله عز وجل.اهـ

و قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله (المجموع ج20ص39): ... فإن في هذا الشهر شهر المحرم كانت نجاة موسى عليه الصلاة والسلام وقومه من عدو الله فرعون وجنوده. وإنها والله لنعمة كبرى تستوجب الشكر لله عز وجل، ولهذا لما قدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وجد اليهود يصومون اليوم العاشر من هذا الشهر، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنا أحق بموسى منكم» فصامه وأمر بصيامه، وسئل عن فضل صيامه فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله».اهـ

و الخلاصة التي نستخلصها و العبرة التي نعتبر بها أن الانتصار على الكفار و أهل الإستعمار من نعم الله علينا التي تستوجب علينا شكرها فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجدًا شكرًا لله تبارك وتعالى.

و هكذا سنة الأنبياء و أتباعهم يقابلون النعم و السرور بشكر الله و طاعته سبحانه، و باتباع سنة رسوله صلى الله عليه ، ولا يقابلونها بالفرح المذموم، و الحفلات الماجنة، و الاحتفالات المخلدة للمناسبات القومية كما يقولون، و البدع المحدثة و الزردات البدعية.

قال الشيخ الفوزان حفظه الله في شريط قيم بعنوان (قصة موسى عليه السلام) : ... و هكذا الأنبياء و أتباعهم يقابلون النعم بالشكر و لا يقابلونها بالأشر و البطر و الإعجاب و إنما يقابلون النعم ومنها النصر على الأعداء يقابلونها بالشكر لله و التواضع لله عز و جل و لا يقابلونها بالفرح و المرح المحرم و يفعلون فيها ما يفعلون من المعاصي كما يفعله الجهال بالمناسبة التي يزعمون أنها مناسبات قومية ، فهذا من جهلهم و غرورهم فالنِّعم تقابل بالشكر و لا تقابل بالكفر فهذا ما شرعه الله لنا .اهـ

إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون و أين من يعقل أو من يعي؟!

و الله المستعان.

و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلَم تسليمًا كثيرًا.

أبو عبد الأحد أمين

17 / ذو الحجة / 1433
الموافق له
1 / نوفمبر / 2012م


ليست هناك تعليقات: