إذاعة الشيخ محمد سعيد رسلان

الجمعة، 9 أغسطس 2013

( زَكَـاةُ الْفطْر) حُكمها ، وكحْمتها ، وجنسها ، ومقدارها ، ووقت وجوبها ، ومكان صرفها .





بسم الله الرحمان الرحيم 

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :

فيسرنا أن نقدم لكم تفريغاً لمحاضرة بعنوان ( زكاة الفطر ) 

 ألقاها فضيلة الشيخ العلامة : محمد بن سعيد رسلان

- حفظه الله ورعاه - 

وإليكم النص :

بــسـم اللـه الرحمــان الرحيــم

إنّ الحمد لله ، نحمد ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفينا ، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ان لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أمّا بعد :
 فإنّ أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وشرّ الأمور مُحدثاتها ، وكُلّ مُحدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار أمّا بعدُ :
فإنّ الله – تبارك وتعالى – شرع لنا في ختام شهر رمضان أن نؤدي زكاة الفطر قبل صلاة العيد ، وزكاة الفطر لها حُكمٌ ، وحكمةٌ ، وجنسٌ ، ومقدارٌ ، ووقت وجوب ، ومكان صرف.  

حكمـــــــها :

فأمّا حكمها : فهي فريضة فرضها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – على المسليمين ، وما فرضه رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –  أو أمر به فله حكم ما فرضه الله – تعالى – أو أمر به ، لأن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – لا ينطق عن الهوى ، وإنّما هو مُبلّغٌ عن ربّه – تبارك وتعالى - ، فقد قال الله – جلّ وعلا – { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }[ النساء : 80 ] ، وقال                 – جلا وعلا - : { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }[ النساء : 115 ] ، فزكاة الفطر فريضة فرضها الله – تبارك وتعالى – على لسان رسوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وقد قال ربنا – جلا وعلا - : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }[ الحشر : 7 ] ، وزكاة الفطر فريضة على الصغير ، والكبير ، والذكر ، والأنثى ، والحر ، والعبد ، من المسليمين ، فهي فريضة على الرؤس ، فريضة على الصغير ، والكبير ، والذكر ، والأنثى ، والحر ، والعبد ، من المسليمين ، قال عبد الله ابن عمر – رضي الله عنهما – كما في الصحيحين [ فرض رسول الله زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ،  على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسليمن ] ، وهل تجب على الحمل في البطن أو لا تجب ؟ لا تجب على الحمل في البطن إلا أن يتطوع بها ، فلا بأس حينئذ ، إذا تطوع وليه عنه فأخرج زكاة الفطر عن الحمل الذي في البطن فلا بأس ، فقد كان أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – يُخرجها عن الحمل ، ويجب إخراج زكاة الفطر عن نفسه وكذلك عن من تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم ، فإن إستطاعوا فلأولى أن يخرجوها عن أنفسهم ؛ لأنهم المخاطبون بها أصلا ، فإذا كانت المراة ذات مال فالأولى أن تخرج هي زكاة الفطر من مالها ؛ لأنها مُخاطبةٌ بها أصلاً ، فيجب إخراجها عن نفسه ، وكذلك عن من تلزمه مؤنته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم ، فإن إستطاعوا فالأولى أن يُخرجوها عن أنفسهم ، لأنّهم المُخاطبون بها أصلا ، ولا تجب إلا على من وجدها فاضلةً زائدة عن ما يحتجاه من نفقة يوم العيد وليلته ، فإن لم يجد إلا أقل من صاع أخرجه ، إذا لم يجد إلّا أقل من صاع فاضلا زائداً عن حاجته ونفقته يوم العيد وكذا في ليلته أخرج أقل من الصاع ، والواجب عليه صاع ، فيُخرج حينئذ ما يجد ، لقول الله – تبارك وتعالى - : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] ، ولقول النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا به منه ما استطعتم ] والحديث في الصحيحين ، فهذا حكمُ زكاة الفطر : ( واجبة وفريضة ) ، فرضها رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – على المُسليمين ، وهي واجبة وفريضة على الكبير ، والصغير ، والذكر ، والأنثى ، والحر ، والعبد من المسليمين ،  يُخرجها عن نفسه وعن من تلزمه مؤنته من زوجة أو قريب ؛ إلا إذا إستطاعوا هم ، وكانوا مالئين فإنّهم حينئذ يُخرجونها عن أنفسهم فذلك الأولى ، لا تجب إلا على من وجد صدقة الفطر ، ( أي الصاع ) فاضلاً زائداً عن ما يحتاجه في يوم العيد وليلته ، فإن لم يجد إلا أقل من صاع - والذي يجب عليه هو الصاع – فإنه يخرج ذلك الأقل ما دام زائداً فاضلاً عن نفقته ونفقة من يعول في يوم العيد وليلته ، لقول الله – تبارك وتعالى - : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }[ التغابن : 16 ] ولقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا به منه ما استطعتم ] ، ولا تجب على الحمل في البطن إلا أن يتطوّع بها هو . هذا حكم زكاة الفطر .
حكمــــــتها :  

وأمّا حكمتها : فظاهرة – بل ظاهرةٌ جدّا – ففيها إحسانٌ إلى الفقراء وكفٌّ لهم عن السؤال يوم العيد ، ليُشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم بالعيد ، وليكون العيد عيداً للجميع ، ففيها الإتصاف بصفة الكرم ، وحُبّ المواساة ، وفيها تطهيرٌ للصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم ،  وفيها إظهارُ شكر نعمة لله – تبارك تعالى – على العبد بإتمام صيام الشهر وقيامه وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه ، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : [ فرض رسول – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطُهرة للصائمين ، فمن أداها قبل الصلاة ( يعني صلاة العيد ) فهي زكاة مقبولة ، ومن أدها ( أي أخرجها ) بعد الصلاة ( أي بعد صلاة العيد ) فهي صدقةٌ من الصدقات ] وفرّق في الواجب المفروض عليه من إخراج زكاة الفطر ، فإن أدّها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أدها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ، والحديث حديثٌ حسن ، أخرجه أبو داوود وابن ماجة ، وفيه نص على الحكمة من إخراج زكاة الفطر ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما أدّى معناه ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – [ فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث وطُعمة للمساكين ] ، ففي إخراجها إغناءٌ للمساكين عن مد اليد والتكفف يوم العيد ، وفي إخراجها محوٌ للأحزان تحيط بالأنسان في يوم جعلها الله – رب العالمين – يوم حبور وفرح بنعمة الله – تبارك وتعالى - على المسليمين ، بما أدوّ من فرض الصيام وسُنّة القيام  في شهر رمضان لأنّ العيدين – كما هو معلوم – يكونان بعقب أداء فريضة عظيمة من فرائض رب العالمين ، وركن من أركان الإسلام العظيم ، فعيد الفطر بعقب أداء فرض الصوم في رمضان ، وأمّا عيد الأضحى فإنه بعد إتمام عظم الحج – كما هو معلومٌ – في مناسكه ، فالإنسان يفرح بنعمة الله عليه ، بما أدّى من طاعة الله { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }[يونس : 58 ]  ، فالحكمة في فرضيّة زكاة الفطر ظاهرةٌ جدّا .
جنــــس الفطــــــرة :

وأمّا الجنس الواجب في الفطرة - والفطرة هي زكاة الفطر- : فهو طعام الأدميين من تمر ، أو برّ ، أو أرز ، أو زبيب ، أو أقط ، ( والأقط : هو اللبن المُجفف لم تُنزع زُبدته ) أو غير ذلك من طعام بني آدم ، فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : [ فرض رسول الله       – صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ] وكان الشعير يوم ذاك من طعامهم ، وهذا رواه البخاري في الصحيح ، والصاع أربعة أمداد ، والمُدُّ : ( حفنة بكفي الرجل المعتدل الكفيّن ) ، والصاع أربعة أمداد ، المدُّ أن تأخذ بجماع يديك ، ( حفنة بكفي الرجل المُعتدل الكفين ) هذا مُد ، مدٌّ ومدٌّ ومدٌّ وآخر ، أربع أمداد ، هذا هو الصاع ، فأربعة أمداد من الطعام ، من تمر ، أو بر ، أو أرز ، أو زبيب ، أو أقط ، أو غير ذلك من طعام بني آدم ، لأن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فرض زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمْر أو صاعاً من شعير ، وكان الشعير يوم ذاك من طعامهم كما قال أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – [ كُنّا نخرج زكاة الفطر في عهد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - صاعاً من طعام ، وكان طعامُنا الشعيرَ ، والزبيبَ ، والأقط ، والتمر ] ، والحديث أخرجه البخاري في الصحيح ، فهو من طعام بني آدم تُخرج صاعاً من طعام بني آدم ، من الأرز ، أو البر ، أو من الدقيق ، أو من التمر ، إلى غير ذلك مما هو طعام بني آدم ، فلا يُجزئ إخراج طعام البهائم ، لأنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – فرضها طُعمة للمساكين لا طُعْمة للبهائم ، ولا يُجزئ إخراجها من الثياب ، ولا من الفُرش ، ولا من الأواني ، ولا من الأمتعة ، ولا من غير ذلك مما سوى طعام الأدميين ، لأنّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -  فرضها من الطعام ، فلا تتعدّى ما عيّنه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولا يُجزئ إخراج قيمة الطعام - كما هو الشائع في هذه الأيام – لا يُجزئ إخراج قيمة الطعام ، لا يُجزئ ، ومن أخرجها من القيمة فعليه أن يُعيد ذلك وأن يُخرجها مرة أخرى من الطعام كما فرضها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، لا يُجزئ إخراج قيمة الطعام لأنّ ذلك خلاف ما أمر به النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وقد ثبت عن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – قوله : [ من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ] ، والحديث عند مُسلم في الصحيح من رواية عائشة – رضي الله عنها - ، وأخرجه البخاري معلقاً مجزوماً به ، وأمّا الرواية التي في الصحيحين فهي : [ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ] ، فمن عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ( وردٌّ : يعني مردرود ) فهو مردودٌ عليه ، فإذن إذا خالف النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فيما فرض فهذا مردودٌ عليه ، ولا يُجزئ حينئذ عنه بإسقاط الفرض الذي هو مُطالبٌ به ، إخراج القيمة مُخالفٌ لعمل الصحابة – رضوان الله عليهم – حيث كانوا يُخرجونها من طعام ، وقد قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – : [ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي ] ، وزكاة الفطر عبادة ، وهي عبادة مفروضة من جنس معين فلا يُجزئ إخراجها من الجنس المُعين ، كما لا يُجزئ إخراجها في غير الوقت المعين فإنّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال : [ فمن أدّها قبل الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات ] ، فلم تُجزئ عنه ، ولم تُسقط الفرض الذي قصّر في أداءه ، لأنه إنّما أدّها بعد الصلاة ، لها وقت ، وكذلك لها جنس ، ولابد من إلتزام هذا وهذا ، وإلا لا يكون آتياً بما كُلّف به ، فالعبادات توقفية لا بد فيها من الوقوف عند حدود النص ، ومن خرج عن الوارد عن نبينا – صلى الله عليه وآله وسلم – فقد أساءة وتعدّى وظلم ، لا يُجزئ إخراجها من غير الجنس المُعين ، كما لا يُجزئ إخراجها في غير الوقت المُعين ، ولأنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – عينها من أجناس مُختلفة ، وأقيامها مُختلفة في الغالب ، فلو كانت القيمة مُعتبرة لكان الواجب صاعاً من جنس وما يُقابل قيمته من الأجناس الأخرى ، ولكنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – حدد فيها أجناساً وهذه الأجناس المُختلفة ، وهي مُختلفة في قيمتها ، فكيف تُضبطُ القيمة إذن ؟ ، إخراج القيمةُ يُخرج الفطرة عن كونها شعيرةً ظاهرة إلى كونها صدقة خفيّة ، لأنّ إخراجها صاعاً من طعام يجعلها ظاهرة بين المُسليمين ، ومعلومة للصغير والكبير ، يُشاهدون كيلها وتوزيعها ويتبادلونها بينهم ، بخلاف ما لو كانت دراهم يُخرجها الإنسان خُفية بينه وبين الآخر ، وقد كان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – تُجمع على عهده صدقة الفطر في المسجد ، وكان رسول الله              - صلى الله عليه وسلم – يُعين عليها حارساً ، كما في الحديث الصحيح – وهو حديث مُعلّقٌ وهو موصولٌ من غير طريق – في قصة أبي هريرة لمّا كان على تمْر الصدقة ، فجاء جاء ، وأتى آت ، فحثا من تمر الصدقة حثوات ، فأمسك به أبو هريرة وقال : " لأرفعنّك إلى رسول الله " فشكى حاجة وعيال فأطلقه ، فلمّا صلّى الصبح خلف النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقال : [ يا أبى هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ ] ، قال : " شكى حاجة وعيال فأطلقته " ، قال : [ كذبك وسيعود ] ، فعاد في الليلة بعدها ، ففعل مثل ما فعل في الليلة التي قبلها ، وقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – مثل ما قال : [ كذبك وسيعود ] ، فلمّا عاد في الثالثة أمسك به وقال : " لأرفنّك هذه المرة إلى رسول الله " ، قال : " أعلمك كلمات وتُطلقني " ، قال : " أفعل " ، قال : " قل إذا أصبحت وإذا امسيت وإذا اخذت مضجعك { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } أية الكرسي ، فإنّه لا يزال عليك حافظ ولا يقربك شيطان " ، فأطلقه ، فلمّا صلّى خلف النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : [ ما فعل أسيرك البارحة يا أبى هريرة ! ] ، قال : قال : " إعلمك كلمات فتطلقني ، فعلمني كذا " ، فقال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- : [ صدقك وإنّه لكذوب ، تعلم من تكلم منذ ثلاث – يا أبا هريرة - ! ذاك الشيطان ] ، بعض أهل الزيغ الضلال يقول : نحن نتعلم من بعض أهل البدع والضلال والزيغ والهوى لأننا نتعلم حتى من الشيطان ، بدليل أنّ أبى هريرة أطبق ذالك الشيطان لمّا قال له ما قال بشأن أية الكرسي ، هؤلاء يُريدون أن يتعلموا من الشيطان ، لا شأن لنا بهم ، وأمّا أهل السنة فيقولون : لولا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – إعتمد هذا الذي قاله الشيطان ما إلتفتنا إليه ، أيكون سندنا في أعلى ما يكون إلى الشيطان ! ، لولا أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : [ صدقك ] فاعتمدها ، ما قبلناها لأن إسناد أبي هريرة كان سيعود إلى من في أعلى درجاته إلى الشيطان ! ، أخذها من الشيطان ! ، هذا يُقبل في دين الله - تبارك وتعالى - ! ، فأهل الزيغ والضلال ختم الله على قلوبهم ، يقولون نأخذ من كل أحد ولو من الشيطان ! ، خُذوا من الشيطان .

مقدارهــــا :

مقدار الفطرة – أي زكاة الفطر – صاعٌ بصاع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – الذي يبلغ وزنه بالمثاقيل أربع مائة وثمانين مثقال من البر الجيد ، وبالجرمات يبلغ كيلويين اثنين وخُمسي عشر كيلوا ( يعني أربعين جراماً ) ، خمسي عشر كيلوا جرام ( يعني أربعين جراماً ) من البر الجيد ، ولذلك يكون هذا الامر آيلاً بحسابه إلى زنة المثقال ، زنة المثقال               ( أربعة جرامات وربع ) فيكون فيكون أربعمائة وثمانين مثقالاً ، ألفي جرام وأربعين جراماً ، كيلوين وأربعين جراماً ، هذا هو صاع النبي – صلى الله عليه وسلم – فإذا أردت أن تعرف الصاع النبيوي فزن ( أوزن ) كيلوين واربعين جراماً من البر ( القمح الجيد ) في إناء بقدرها ، يكون هذا الموزون قد وصل إلى علامة معينة ، إمّا أن يكون قد وصل إلى أقصى ما عندك من ذلك الإناء ، وإمّا إلى علامة مُعينة ، فهذا هو صاع رسول الله ، ثُمّ كل به ، تجعل إلى تلك العلامة أُرزاً ، تمراً ، زبيباً ، أقطاً ، ما شئت من طعام بني آدم ، هذا هو صاع الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، كيف نعرفه ؟  ، نأتي بكيلوين وأربعين جراماً من البر الجيد ، نجعلها في إناء ، إلى أقصاه ، وإمّا إلى علامة بعينها ، ثُمّ بعد ذلك نكيل بهذا الإناء ، إلى تلك العلامة أو إلى أقصاه ، إن كان البر قد ملأه إلى أقصاه ، نكيل به ما شئنا من طعام بني آدم ، فتختلف في أوزانها ، تختلف حينئذ في أوزانها ، ولكن هذا هو الصاع لأنه أربعة أمداد بكفي الرجل المتوسط الكفين – كما مر - ، هذا مقدارها ، مقدار الفطرة ، صاعٌ بصاع رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

وقت وجوبـــها :

وقت وجوب الفطرة من غروب الشمس ليلة العيد ، من غروب الشمس في ليلة العيد تجب عليك ، فمن كان من أهل الوجوب حين ذاك وجبت عليه وإلا فلا ، لماذا نعرف هذا التحديد ؟ ، لأنه يترتب عليه عمل ، إذا مات قبل الغروب ولو بدقائق لم يدخل عليه وقت الوجوب فلم تجب عليه الفطرة ، وإن مات بعد الغروب ولو بدقائق فقد مات في وقت الوجب فيجب إخراج فطرته عنه ، لو ولد مولودٌ بعد الغروب ولو بدقائق لم تجب فطرته ؛ لكنّ يُسنُّ إخراجها – كما سبق - ، وإن ولد قبل الغروب ولو بدقائق ، وجب إخراج الفطرة عنه ، وإنّما كان وقت وجوبها غروب الشمس من ليلة العيد ، لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان ، وهي مُضافة إلى ذلك ، فيقال زكاة الفطر من رمضان ، فكان مناط الحكم ذلك الوقت ، وأمّا زمن دفعها فهذا زمن الوجوب ، بغروب الشمس من ليلة العيد ، وأمّا زمن دفعها فله وقتان : وقت فضيلة ، ووقت جواز ، فصار عندنا ثلاثة أوقات ، وقت الوجوب : ( وهو غروب الشمس من ليلة العيد) ، ووقت الفضيلة ، ووقت الجواز ، وقت الفضيلة : ( صباح العيد قبل الصلاة ) للذي ورد عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنها - : [ كنّا نُخرج في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم الفطر صاعاً من طعام ] ، وفيه أيضا من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي  – صلى الله عليه وسلم – أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة ، فهذا وقت الفضيلة ، قال ابن عُيينة – في تفسيره - عن عمر ابن دينار عن عكرمة قال : " يُقدّم الرجل زكاة الفطر يوم العيد بين يدي صلاته فإنّ الله يقول : { قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلى } فجعل هذه لهذه " ، فيُقدم زكاة الفطر قبل صلاة العيد { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى } ، لذلك كان من الأفضل تأخير صلاة العيد يوم الفطر ليتسع الوقت لإخراج الفطرة ، هذا وقت الفضيلة ، وأما وقت الجواز : فهو قبل يوم العيد بيوم أو يومين ففي صحيح البخاري عن نافع قال : " كان ابن عمر يُعطي عن الصغير والكبير حتى إن كان يُعطي عن ثنيّة وكان يُعطيها الذين يقبلونها " ، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ، فهذا وقت الجواز بيوم أو يومين ، ليس بإسبواع ولا إسبوعين ، ولا شهر ولا شهرين ، لأنّ الأحناف خالفوا في الأمور كثيراً لأنّهم – كما هو معلوم – لا يلجأون إلى الأثار دائماً ، وهم يقولون بالقيمة ، ولم يُخالف إلا أبو حنيفة – رحمه الله - ، إمامٌ مُعتبر متبع لا خلاف على هذا ، وليس من الحق من شأن أي إمام من الأئمة إذا ما خالف سنّة الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يُقال خالف ، هذا لا يحط من قدره ، لأنه قد صحَّ عنهم جميعاً قولهم : " إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي " ، فلأئمة الأربعة صحّ عنهم هذا القول العظيم " إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي " ، وكما قال الإمام الشافعي : " إذا جاءك القول من قولي لما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فاضرب بقولي عرض الحائط ولا تلتفت إلى قولي ومن يكون المرء حتى يُخالف رسول الله " فأنت إذا خالفت الإمام في ما خالف فيه ؛ لأن السنّة لم تصله ، أو لأنّ الحديث لم يكن عنده مما يُعمل به ، كأنّ يكون مُعارضاً بما أقوى منه في نظره ، أو أن يرى أنّه منسوخ ، أو لا تتبين له الدلالة منه ، إلى غير ذلك مما يعرض للأئمة ؛ لأنه لا يُعقل أن يُخالف إمام من أئمة المسليمين سُنّة النبي الأمين ، ولكنّ أبى حنيفة – رحمه الله - خالف في هذا الأمر ، كما خالف في مسألة الولي ، ولذلك نقول للذين يقولون بالقيمة قولاً واحداً ، ويقولون لنا إمام معتبر – هو معتبر وهو إمام – ولكنّه خالف في هذا الأمر ، لأنّ هذا لم يثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن الصحابة ، ولا من بعدهم في عصرهم ، فالأئمة الثلاثة أليسوا بمُعتبرين ؛ الأمام مالك ، والإمام الشافعي ، والإمام أحمد ، كلهم على عدم إجزاء القيمة قوْلاً واحداً ، فالمسألة ليست إنتقاء ، يعني أنت تنتقي ، لأنك إذا أخذت برخصة كل إمام تجمّع فيك الشر كلّه ، فنقول للذين يقولون هي القيمة قوْلاً واحداً أخذاً بقول أبي حنيفة –رحمه الله تعالى - ، نقول : وقد قال أبو حنيفة : " أنّ المرأة تُزوّج نفسها " فهل تقبل أن تُزوّج ابنتك نفسها ثُمّ تأتي بزوجها وتدخل به عليك ! ، فهو يقول : هذا لا شيء فيه ، هل ترضى هذا لابنتك ، أو لأختك ، نحن نسأل ! ، لماذا تقبل هذا ولا تقبل هذا ؟ ، فإذا خالف الإمام في مسألة من المسائل نعود إلى ما صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا ينقص هذا من قدر الإمام في شئ ، لأنني أتبعه ، عند مخالفته أكون مُتّبعاً له ، كيف أكون مُتّبعاً له عند مُخالفتي إيّاه ؟ لقوله هو – فكلهم صحّ عنهم - : " إذا صحّ الحديث فهو مذهبي " ، فإذن أنا إذا أخذت بالحديث الصحيح أكون مُتبعاً للإمام عند مُخالفة الإمام ، لأنه هو أمر ، قال : " إذا صحّ الحديث فهو مذهبي " ، وقت الجواز – كما مر – قبل العيد بيوم أو يومين ، الأحناف يرون أنه يجوز أن تخرج زكاة الفطر من أوّل رمضان ، فكيف تكون طُعمة للمساكين في يوم العيد ، وكيف تكون إغناء ، هذا مُصادم للحكمة التي لأجلها فُرضت ، ثُمّ إنّها تكون إظهاراً لنعمة الله - تعالى – على العبد بتوفيق الرب له – سبحانه وتعالى – لأداء فرض الصيام وسنّة القيام وما تيسر من الأعمال الصالحة ، فكل هذا ينتفي عندما نقول نُخرج زكاة الفطر من أوّل يوم من رمضان ، وإنّما نَتّبع الوارد عن الرسول             – صلى الله عليه وسلّم – وعن صحابته ، لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد فإنّ أخرها عن صلاة العيد بلا عذر لم تُقبل منه ، لأنها خلاف ما أمر به رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وقد مرّ حديث ابن عبّاس – رضي الله عنهما – :   [ من أدّها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أدها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات ] ، أمّا إن أخرها لعذر فلا بأس ، فكأنْ يُصادفه العيد بعيداً ، كأنْ يكون ذاهباً في سفر وليس عنده ما يدفع منه ، أو من يدفع له ، فليس عنده ما يدفه منه ، أي المال الذي يدفع منه الفطرة ، يعني ستشتري بها ما يُخرج به زكاة فطره ، فليس عنده ما يدفع منه ، أو من يدفع له ، يعني لا يعرف فقيراً ، يكون في بلد -هو فيه غريب - إلى غير ذلك من هذه الأمور ، أو يأتي خبر ثبوت العيد مُفاجأً ، بحيث لا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة ، أو يكون مُعتمدا على إنسان قد وكله في إخراجها فينسى أن يخرجها ، فلا بأس أن يُخرجها ولو بعد العيد ، لأنه معذورٌ في ذلك ، والواجب أن تصل إلى مُستحقيه أو وكيله في وقتها قبل الصلاة ، فلو نواها لشخص ولم يُصادفه ، ولا صادفه وكيله وقت الإخراج ، فإنه يدفعها إلى مُستحق آخر ولا يُؤخرها عن وقتها ، يعني يقول سأخرج زكاة الفطر لهذا العام لفلان ، فلا يُصادفه بقدر الله ، أو وكّل فلاناً ليخرجها لفلان ، فهذا الوكيل لم يُصادف بقدر الله ذلك الذي عُين ، لا ينتظر عليه ، وإنما يُخرجها لمستحق آخر ولا يؤخرها عن وقتها .
مكان دفعها :

تُدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج ، سواء كان وقت إقامته أو غيره من بلاد المسليمين ، يعني إذا كنت في عمرة في رمضان ودخل عليك العيد فإنك تُخرج زكاة الفطر من رمضان لفقراء مكة ، في المكان الذي أنت فيه ، لأنّ زكاة الفطر واجبةٌ مفروضة على الرؤس ، فحيثُ وجدت الرأس وجب الإخراج ،  فمكان دفعها : تُدفع لفقراء المكان الذي أنت هو فيه وقت الإخراج ، سواء كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسليمين ، لاسيما إن كان مكانا فاضلاً كمكة والمدينة ، أو كان فقراءه أشد حاجة ، فإذا كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه ، أو كان لا يعرف المُستحقين فيه ، وكّل من يدفعها عنه في مكان فيه مُستحق ، يعني إذا كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه ، ليس فيه مُستحق لزكاة الفطر ، الناس كلهم أغنياء ، الناس كلهم يجب عليهم إخراج زكاة الفطر - كما هو في مصر - إذاً يُخرجونها في الصومال ، فليس عندنا فقراء نًخرج إليهم زكاة الفطر ، فنجمعها قيمة ونخالف ونَغُرْ المسليمين ونخدعهم ؛ لأنّ هذا لا يُجزئ عنه ، فنأخذها منهم مالاً ! ، هذا لا يُجزئ ، ثُمّ نجعلها في غير موطنه الذي ينبغي أن تُدفع فيه ، لأننا إكتفينا – والحمد لله رب العالمين - ، المُستحقون لزكاة الفطر هم الفقراء ، ومن عليهم ديون لا يستطيعون وفائها ، فيعطون منها بقدر حاجتهم ، ويجوز توزيع الفطرة على أكثر من فقير ، ويجوز دفع عدد من الفطر ( أي من زكاة الفطر ) إلى مسكين لأنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قدّر الواجب ، ولم يُقدّر من يُدفع إليه ، وعلى هذا فلو جمع جماعة فطرهم في وعاء واحد بعد كيلها ، وصاروا يدفعون منها (من زكاة الفطر ) بلا كيل ، لا يكيلون مرة ثانية ، أجزأهم ذلك ، لكن ينبغي أنهم يعلمون الفقير أنهم لا يعرفون مقدار ما يدفعون إليه ، لماذا ؟ ، لأن لا يغترّ به فيقوم هو بدفعه عن نفسه ، لأنّ الفقير عندما تُعطيه ويصل الأمر إلى حد الكفاية عنده ، بمعنى أنه صار عنده في يوم العيد وفي ليلته كفايته وزاد عنده شئ على ذلك ، فقد وجب عليه هو أيضاً أن يُخرج زكاة الفطر ، مُجتمعٌ متكافل ، هذا هو المُجتمع الذي أراده الله – رب العالمين - ، بإنشاء أمة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وببعثة رسول الله ، لو أنّ المسليمين اتقوا ربهم – تبارك وتعالى – ما وجد في الأرض مُحتاج من المسليمن ، لتكافلوا ، وتناصروا ، وتعاطفوا ، وتساندوا ، وتعاضدوا ، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى ، ولكنّ النفوس فيها كثيرٌ من الآفات والأمراض ، نسأل الله أن يُطهر قلوبنا أجمعين ، هذا هو ما يتعلق بهذا الأمر من هذه الفريضة التي فرضها رسوله رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأسأل الله رب العالمين بأسمائه الحسنى وصفاته المُثلى أن يُعلمنا ما ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا ، وأن يزيدنا علما .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

تم الإنتهاء من التفريغ – بفضل الله - في :
ليلة الاحد : 12 / رمضان / 1434 هــــ

ليست هناك تعليقات: